
في خطوة حاسمة لفرض السيادة الرقمية، قامت شركة آبل بإزالة تطبيقي واتساب وثريدز التابعين لشركة ميتا من متجر التطبيقات الخاص بها في الصين، وذلك تنفيذاً لتعليمات صريحة من إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية. ذكرت الشركة العملاقة للتكنولوجيا أنها ملزمة بالامتثال للأمر، الذي استند إلى مخاوف غامضة تتعلق بـ 'الأمن القومي'، مما يسلط الضوء على الضغط الهائل الذي تواجهه الشركات الأجنبية داخل النظام البيئي للإنترنت الخاضع لتنظيم صارم في البلاد.
لم يكن هذا الإجراء، الذي تم تأكيده يوم جمعة في أبريل 2024، قراراً تجارياً منعزلاً، بل كان استجابة مباشرة لسلطة حكومية. يضع الموقف العلني لشركة آبل – 'نحن ملزمون باتباع القوانين في البلدان التي نعمل فيها، حتى عندما نختلف معها' – عملية الإزالة في إطار الضرورة القانونية، لكنه يثير على الفور جدلاً حول المسؤولية المؤسسية ووصول المستخدمين في السياقات الاستبدادية.
يشير استخدام الحكومة الصينية لمصطلح 'الأمن القومي' إلى مبرر واسع ومتكرر الاستدعاء للتحكم في تدفق المعلومات. في هذا السياق، يرتبط الأمن القومي ارتباطاً وثيقاً باستقرار النظام، حيث تُنظر إلى منصات التواصل المشفرة غير المقيدة كتهديدات محتملة. لطالما أكدت السلطات أن الخدمات التي تعمل خارج الإشراف الحكومي قد تؤوي محتوى 'مشكوكاً فيه' أو 'مُلهباً'، بما في ذلك انتقاد القيادة، مما يستدعي إزالتها.
من الجدير بالذكر أن الحكومة لم تقدم تفاصيل محددة حول كيفية تشكيل واتساب أو ثريدز لخطر ملموس، مما ترك المراقبين في الصناعة يتكهنون. هذا الغموض هو سمة مميزة لنهج الصين في حوكمة الفضاء الإلكتروني، حيث تُصدر الأوامر بأقل قدر من الشفافية، مما يجبر على الامتثال من خلال ثقل السلطة التنظيمية الهائل.
كشفت بيانات تتبع التطبيقات أن الحملة امتدت لتتجاوز تطبيقات شركة ميتا. فقد تم سحب خدمات المراسلة المشفرة تيليجرام وسيجنال أيضاً من متجر تطبيقات الصين في نفس اليوم، مما يشير إلى حملة منسقة ضد الأدوات التي تعطي الأولوية لخصوصية المستخدم. تمثل هذه المنصات، التي تقدم تشفيراً من طرف إلى طرف، تحدياً خاصاً لآليات المراقبة الحكومية، مما يجعلها أهدافاً دائمة في الولايات القضائية التي تمتلك أجهزة مراقبة واسعة النطاق.
من الغريب أن التطهير لم يكن شاملاً. فقد ظلت تطبيقات رئيسية أخرى تابعة لشركة ميتا، بما في ذلك فيسبوك وإنستغرام وماسنجر، متاحة للتنزيل في الصين إلى جانب منصات غربية مثل يوتيوب وإكس (تويتر سابقاً). تشير هذه الانتقائية إلى نهج دقيق، وربما تكتيكي، من قبل المنظمين الصينيين بدلاً من حظر شامل لجميع وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية.
يفترض المحللون أن التطبيقات المستهدفة تشترك في سمة مشتركة: فهي مصممة في المقام الأول للتواصل الفوري من شخص لآخر أو في مجموعات صغيرة يصعب مراقبتها على نطاق واسع. في المقابل، فإن المنصات التي تُركت متاحة هي أكثر توجهاً نحو البث أو لديها معايير تشفير مختلفة، مما قد يجعلها أقل تهديداً محسوساً للنظام العام كما يعرفه الدولة.
ليست هذه الحادثة بأي حال أول تنازل لشركة آبل لمطالب صينية. فلدى الشركة تاريخ موثق في استرضاء السلطات للحفاظ على وجودها الحيوي في السوق. في عام 2017، أزالت آبل العشرات من تطبيقات الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN) التي ساعدت المستخدمين على تجاوز الجدار الناري العظيم. وفي عام 2020، قامت بتنظيف أكثر من 30,000 لعبة غير مرخصة. وفي الآونة الأخيرة، قامت بتعطيل خاصية إخفاء الهوية في ميزة مشاركة الملفات AirDrop في الصين بعد استخدامها لنشر صور احتجاجية.
يتبع كل إجراء نمطاً مشابهاً: أمر حكومي يستند إلى أسباب قانونية أو أمنية، يليه امتثال براغماتي من آبل. وقد دفع هذا النقاد إلى اتهام الشركة باستخدام معيار مزدوج، حيث تدافع بقوة عن خصوصية المستخدم في أسواق مثل الولايات المتحدة بينما تقوضها بشكل منهجي في الصين لحماية تدفقات الإيرادات.
أثار توقيت إزالة التطبيقات تساؤلات فورية. فقد حدث قبل أيام فقط من إقرار مجلس النواب الأمريكي لمشروع قانون يستهدف التطبيق الصيني المملوك تيك توك، بهدف إجباره على البيع أو الحظر. فسر العديد من المعلقين والباحثين القانونيين خطوة آبل على أنها شكل محتمل من أشكال الانتقام الاستباقي من قبل بكين، مما يظهر قدرتها على الضغط على شركات التكنولوجيا الأمريكية رداً على أعمال عدائية محسوسة ضد الشركات الصينية في الخارج.
يُخاطر هذا الديناميكية المبنية على المقايضة بالتطور إلى انفصال تكنولوجي أوسع، حيث تصبح الأدوات الرقمية بيادق في الاستراتيجية الجيوسياسية. يسلط الوضع الضوء على كيفية وقوع المنصات المؤسسية بشكل متزايد في مرمى النيران المتقاطعة للتوترات الدولية، مما يجبرها على التنقل بين المصالح والقوانين الوطنية المتضاربة.
لملايين مستخدمي آيفون في الصين، تمثل عمليات الإزالة تضييقاً إضافياً للأفق الرقمي. بينما قد لا تزال التثبيتات الحالية لتطبيقي واتساب أو ثريدز تعمل، وغالباً ما تتطلب استخدام شبكة افتراضية خاصة (VPN)، فإن المستخدمين الجدد محرومون تماماً من الوصول إلى معايير التواصل العالمية هذه. ويعزز هذا بيئة رقمية تهيمن عليها البدائل المعتمدة من الدولة، ويتم إعاقة التدفق الحر للمعلومات عبر الحدود بشكل منهجي.
تضع الحلقة أيضاً شركة آبل في موقف أخلاقي صعب. حيث تتضرر سمعتها كمزود لتكنولوجيا آمنة وتركز على المستخدم بسبب موافقتها المتكررة على الرقابة. ويبقى المستخدمون والمدافعون يتساءلون عما إذا كان التزام الشركة بالخصوصية مبدأ عالمياً أم رفاهية تعتمد على السوق.
في النهاية، تحرك أفعال آبل واقع اقتصادي صارم. تمثل الصين سوقاً هائلاً، حيث تمثل ما يقرب من خمس إيرادات الشركة السنوية وتعمل كمركز رئيسي لتصنيع أجهزتها الشهيرة. يلوح في الأفق تهديد انتقام أوسع، مثل حظر المشتريات الحكومية لهواتف آيفون – وهي شائعة سببت هبوطاً سابقاً في سهم آبل – فوق كل قرار.
استثمرت الشركة مليارات الدولارات في البنية التحتية المحلية وسلاسل التوريد، مما خلق ترابطاً عميقاً مع الاقتصاد الصيني. يوفر هذا التكامل لبكين نفوذاً كبيراً، مما يجعل التحدي الصريح خياراً محفوفاً بالمخاطر تجارياً. تبدو استراتيجية آبل أنها استراتيجية تنازل مُدارة، توازن بين قيم علامتها التجارية العالمية وبين ضرورة الوصول إلى السوق في منطقة حيوية.
ومع ذلك، قد يترتب على هذا البراغماتية قصيرة المدى تكلفة طويلة الأجل. فكل امتثال يقوض الثقة بين المستهلكين الواعين بالخصوصية في جميع أنحاء العالم ويمكن أن يشجع حكومات أخرى على تقديم مطالب مماثلة. تذكرنا الحلقة بقوة أنه في المعركة بين مبادئ الربح وأرباح المبدأ، غالباً ما تميل الكفة بفعل ثقل القوة الجيوسياسية والاقتصادية.